
في زمنٍ تتعالى فيه الأصوات وتغيب الصدى، ويغدو مشهد الطفل المذبوح واللاجئ الغريق مشهدًا عابرًا لا يثير سوى صمتٍ بارد، تتجدد التساؤلات حول مصير الضمير الإنساني: هل لا يزال حاضرًا؟ أم خسر الإنسان آخر ما تبقى له من رحمته وعدله وإنسانيته؟
في عالم بات يتعاطف بشدة مع الحيوان الجريح، ويغضّ الطرف عن معاناة الشعوب المقهورة، والمجتمعات المدمرة، تبرز مفارقة موجعة: لماذا صار ألم الحيوان أكثر إثارة للتعاطف من صرخات طفل تحت الأنقاض، أو من أنين أمّ فقدت أبناءها تحت القصف؟
لقد بات الضمير الإنساني يئنّ تحت ركام المادية الطاغية، وضجيج المصالح، وتخدير الإعلام، في زمن تُدان فيه قسوة على قطة، وتُبرر فيه إبادة مدينة بمن فيها من الأبرياء.
ورغم كل هذا الظلام، لا تزال هناك قلوب تنبض بالرحمة، تتألم لأجل غيرها، تقاوم موجة اللامبالاة، وتتمسك بقيم إنسانية تتناقص يومًا بعد يوم. قلوب تُتّهم بالمثالية، وربما بالجنون، لكنها تبقى الأمل الأخير في إعادة الاعتبار لإنسانية الإنسان.
إنه نداء للضمير الحي: لنعيد ترتيب أولوياتنا، ولنجعل من الرحمة قيمة غير قابلة للتجزئة، ومن الإنسان مخلوقًا مُكرّمًا لا يقل شأنًا عن أي كائن آخر.
لا يكفي أن نُدين في السر، أو نحزن على الشاشات... الأمل الحقيقي ينتظر أفعالًا لا أقوالًا، وينتظر أن نكون نحن الضمير حين يسكت الجميع، والإنسان حين يتوحش الآخرون، والنور حين يشتد الظلام.